يقول الكاتب إبراهيم أصلان في قصته «العجوز والوردة»:
أعبر ميدان التحرير من ناحية المتحف المصري في طريقي إلى ناحية عمر مكرم، وكان هناك كثير من العابرين، والقليل من الذين يجلسون على الأرائك الحجرية أمام الممرات المرصوفة والرقع المغطاة بالحشائش والأسوار الحديدية القصيرة. مع المجهود تعاودني الآلام أحيانًا فأتوقف لأستريح. في هذه المرة توقفت أمام بائع يجلس وراء طاولة عبارة عن لوح خشبي محمول على أرجل، ورحت أتفرج على الأقلام المعروضة والمفكات وحجارة البطاريات ومشابك الغسيل ومقصات الأظافر وجلود الساعات والعدسات المكبرة وغيرها من الأغراض، وكانت هناك حزمة من أربطة الأحذية معقودة في طرف هذا اللوح ومُدلَّاة من الجنب، وأنا اندهشت للمصادفة، وطلبت منه رباطًا أسود؛ لأنني ظللت طوال العام الأخير أسأل عن رباط لكي أستخدم حذائي الآخَر المركون دون جدوى. كنت أتابع الألم وهو يخف على مهل، وكان الرجل مشغولًا بفك عقدة حزمة الأربطة بأسنانه عندما رأيت طفلة تلعب في الفَسَحة التي أقف فيها، كانت ترتدي فستانًا صوفيًّا قصيرًا برتقالي اللون، وجوربًا أبيض، ولها ضفيرة ذهبية تتأرجح على ظهرها. كانت البنت تضم إلى صدرها باقة مفكوكة من الورود البلدية البيضاء، وهي كانت تنط على ساق واحدة من هنا إلى هناك، ثم اقْتَرَبَت من العجوز الذي يجلس على الأريكة الحجرية في الجانب الآخَر من هذه الفسحة، ووَقَفَت تتأمله. كان وحيدًا يضم يديه في حجره وقد أطرق برأسه شبه الخالي، والبنت بعدما تفرجت عليه تناولت وردة من الباقة التي تضمها إلى صدرها، ومدتها إليه وهي واقفة على مسافة منه، ومرت فترة قبل أن يرفع وجهه المجهد ويراها وهي تمد يدها الصغيرة بالوردة من بعيد.
العجوز تأملها بدوره ورفع يده عن حجره بتكاسل ومدها، وهي ترددت ثم اقتربت قليلًا تسبقها ذراعها وهي تُمسِك الوردة من طرف ساقها، ومال هو بجسمه أكثر ومد ذراعه عن آخِرها وقد اتسعت ابتسامته، وتناول الوردة، والبنت استدارت تجري ناحية امرأة شابة كانت تجلس في الناحية الأخرى وإلى جوارها حقيبة من قماش مقفول، ووقفت بين ركبتيها، والمرأة الشابة احتضنتها ثم قامت. حملت حقيبتها في يدها وانصرفتا، ورأيتهما من الخلف وهما تبتعدان. الأم في معطفها البني الفاتح والبنت في فستانها البرتقالي القصير وقد رفعت يدها الخالية إلى يد أمها. لم يكن بوسعي أن أرى باقة الورد؛ لأنها كانت تضمها إلى صدرها بينما أنا ألمحها من الخلف وضفيرتها الذهبية الوحيدة ثابتة على ظهرها، وأنا وضعت رباط الحذاء في جيبي، وخف الألم، وعبرت الساحة راغبًا أن أواصل طريقي من الناحية التي يجلس فيها الرجل. كانت الوردة بيضاء، وهو يُمسِك طرف ساقها بين يديه الاثنتين وقد أراحهما في حجره، وكان صدره النحيل مفرودًا وهو يرفع وجهه عاليًا نحو الجهة التي غابت فيها المرأة الشابة وابنتها الصغيرة.
في ضوء فَهْمك للسياق، في أيِّ مادة نكشف في المعجم عن كلمة «تعاودني»؟